د.فهمي شراب
كاتب وإعلامي فلسطيني
تمثل السفارات الفلسطينية في الخارج امتداداً للوطن وتمثيلاً لمصالحه وانعكاساً لصورته، وواضح أن هناك شبه افتراق ما بين هموم وطننا في الداخل وما عليه السفارات الفلسطينية حالياً.
وبعيداً عن السرديات وإضاعة الوقت في المقدمات وتدبيجها فإننا نطرح أسئلة واقعية عملية ميدانية من وحي المعايشة تلخص شكل هذا الافتراق، (وليس الخبر كالمعاينة) وقوام هذه الأسئلة التأكيد على أن المؤسسات الرسمية هي انجازاً وطنياً يجب الحفاظ عليه وإصلاحه وتقويمه لكي تظل تلك المؤسسات تمثل نبض الشعب الفلسطيني الحقيقي وتترجم طموحاته وهمومه، وأيضا لضرورة وضع المسئولين بما آلت إليه أحوال سفاراتنا في الخارج، وخاصة أن أوضاع السفارات كالصندوق الأسود، لا يعرف عنه كثير من الرأي العام، ومنها؛ وضح بالصوت والصورة بأن هناك ارتباطات عديدة متزايدة بين سفرائنا في الخارج وسفراء إسرائيل في الخارج أيضا، وهذه العلاقات المشبوهة في تزايد، وأصبح سفراؤنا يتفاخرون بأخذ صور "سلفي" معهم.
فكيف سنخدم قضيتنا أمام العالم الخارجي، ونحن نظهر بأنهم أصدقائنا؟، مع العلم أن العالم الخارجي لا يحترم الإسرائيلي، وتتظاهر دوماً مجموعات في تلك الدول أمام سفارات إسرائيل وترميهم بالحجارة تعاطفا مع الشعب الفلسطيني.
فكيف يستساغ تواجد سفراء فلسطين مع سفراء إسرائيل في العديد من المناسبات وكأن ليس بيننا صراع دائم؟ وكيف تنشأ بينهم علاقات تجارية من شأنها أن تؤثر سلباً على العمل الوطني الفلسطيني؟.
لقد تم إجراء تحقيقات عديدة مع سفراء ودبلوماسيين دون الخروج بأي نتائج ودون إثبات تورط أحد، (برغم أنه ليس هناك دخان من دون نار).
على الرغم ما لدي من معلومات مهولة وبيانات متراكمة لأسماء وجهات متورطة ومدانة تم التحقيق معها؛ فلأي مدى تغلغلت المحسوبية لدرجة أن تطغى على سير التحقيقات وتجييرها لصالح الجاني أو المتورط؟، رغم وجود الأدلة الكافية التي تثبت المتورطين.
آخر التحقيقات كانت خلال هذا الأسبوع مع روان سليمان أبو يوسف سفيرتنا في هولندا، كل هذه التحقيقات وإرسال السفير رأفت بدران ورجال الأمن ليجروا التحقيق، وفي الأخير هل من يخبرنا عن ماذا تمخض هذا التحقيق ضدها؟ هل يستطيع أن يطلعنا وزير الخارجية الدكتور رياض المالكي على نتائج التحقيق؟!.
في الوقت الذي تمتلئ فيه بلادنا بمئات الكفاءات الدبلوماسية والإعلامية، لاتزال عائلة "عودة" تسيطر على الدبلوماسية الفلسطينية بصورة غير منطقية وغير مبررة، ورغم أن الإعلام تناول منذ ثماني سنوات تجاوزات وفضائح مخجلة لسفيرنا في إسبانيا كفاح عودة وزوجته هالة فريز سفيرتنا في السويد، علماً بأن القانون لا يسمح بأن يكون الزوج والزوجة سفراء في نفس الوقت، حيث لم تكتف عائلة عودة بتعيين ابنتها الشابة "نور عودة" ناطقاً رسمياً في أوروبا براتب شهري أربعة آلاف دولار في عهد رئيس الوزراء السابق د.سلام فياض بذريعة أنها "شطورة أوي"، رغم قرارات وقف التعيينات والترقيات للموظفين بسب الأزمة المالية آنذاك ،إلا أنها استطاعت أيضاً تعيينها مديراً للإعلام الحكومي وناطقا باسم الحكومة الفلسطينية.
سطوة عائلة عودة على وزارة الخارجية الفلسطينية لم تقف عند تعيين ابنتهم ناطقا باسم الحكومة آنذاك براتب ستة آلاف دولار، حيث لا يزال يشغل "محمد عودة" شقيق كفاح عودة منصب رئيس دائرة أمريكا اللاتينية في مفوضية العلاقات الدولية لحركة "فتح" بدرجة سفير وفقاً لقرار رئاسي.
كما يشغل السفير عمار حجازي زوج ابنتهم نور منصب مساعد وزير الخارجية الفلسطيني للعلاقات متعددة الأطراف، وهنا نجد أنفسنا مضطرين لطرح الأسئلة حول الآلية التي تم من خلالها تعيين خمسة أشخاص من عائلة واحدة في السلك الدبلوماسي، وهل هنا تم النظر إلى الكفاءة أم الواسطة والمحسوبية التي جعلت عائلة عودة تقيم مملكة خاصة بها في الخارجية، ثم نعود ونتساءل عن تراجع الدبلوماسية الفلسطينية، وعن عجزنا أمام إعلان عدد من الدول رغبتها في نقل سفاراتها إلى القدس تزامنا مع نقل السفارة الأمريكية.
وما يثير الاستفزاز أن يتم قطع رواتب موظفي قطاع غزة، في حين تدفع السلطة الفلسطينية رواتب لعائلة عودة بما يفوق المائة ألف شيكل شهريا!.
واستمراراً لمسلسل السطوة لبعض الموظفين في السفارات الفلسطينية، تعرض مواطن فلسطيني يحمل جنسية أجنبية وكان مسئولا سابقاً في السلطة الفلسطينية للتهديد على خلفية تقديمه لشهادة في أحدى المحاكم الفلسطينية وذلك لإجباره على تغيير تلك الشهادة.
شهادة هذا المسئول هي العامل الرئيسي لحصول الأخير على البراءة، في حين يستغل الكثيرين نفوذهم في السفارات لتهديد أبناء الجاليات والشخصيات التي يرون فيها أنها تتعارض مع مواقفهم أو مع التوجهات العامة.
وعلى الرغم من سعي الشاهد المتواصل لإيصال صوته للمسئولين سواء في السفارة أو في وزارة الخارجية، دفاعاً عن نفسه وحياته؛ إلا أنه لم يتلقى جواباً وبقى يرى في نفسه ملاحقاً ومعرضاً للخطر بسبب تلك الشهادة. -يجري إحالة أعداد كبيرة من سفراء ودبلوماسيين ينتمون جغرافيا لقطاع غزة، ويتم تجهيز أوراقهم لإرسالهم للمقر في رام الله ومن ثم تحويلهم لغزة.
ومن المعروف أن لقطاع غزة أهمية ورمزية كبيرة في دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وجبهات اليسار في العالم وارتباط النضال العالمي مع رموز فلسطينية واضحة، وكل هذا يؤثر على صورة المسار الفلسطيني كله؛ لأن تهميش وإقصاء غزة على الصعيد الدبلوماسي يؤثر على صورة القضية ويترك أثراً سلبياً لدى تلك الدول المتعاطفة مع قضيتنا ومع غزة.
فما المصلحة الوطنية التي تقتضي إقصاء دبلوماسيي غزة؟ علماً بان هناك أكثر من مائة سفير فلسطيني ليس من غزة فيهم إلا أربعة سفراء فقط، أين العدالة حسب التوزيع الديموغرافي؟ - لمصلحة من يتم تهميش أبناء قطاع غزة في مؤسسات منظمة التحرير في الخارج؟ حتى في رواتبهم التي لم يتلقوها لحتى الآن؟ ولمصلحة من يتم التعامل مع المراجعين في السفارات من أفراد وأبناء الجاليات بعنصرية لأنهم من غزة؟ ألا يعتبر هذا أبغض أنواع الفصل بين البشر على أساس مناطقي جغرافي؟ -وضح بالدليل أن لرجال الأمن ضمن السفارات سطوة كبيرة داخل السفارات،، فلماذا يعطى للملحق الأمني كل هذه الصلاحيات؟ علماً بأن الأمن الفلسطيني بالخارج لم ينقذ حالات كثيرة كان يهددها الأمن الإسرائيلي، ولجأت للسفارات ولم تقدم تلك السفارات الفلسطينية أي ملاذ أو حماية لهؤلاء المناضلين الفلسطينيين أمثال النايف، بل تركتهم يواجهون مصيرهم والذي انتهى بقتل الموساد لهم رحمهم الله جميعا.
فما دور الأمن إذن؟ قامت مجموعات من الجاليات الفلسطينية في الخارج بتشكيل مؤسسات وتكتلات من أجل العمل، وتنشيط أفراد الجالية للقيام بفعاليات، وبدور ينهض بالقضية الفلسطينية بشكل وطني وحقيقي يترجم الصورة الواقعية للفلسطينيين، لماذا تعادي السفارة تلك الجاليات ومؤسساتها في الغالب؟؟ هذه أسئلة أصبحت بديهية، وهناك المزيد، لكنني لا أريد أن أحرف البوصلة عما يجري من فعاليات مسيرة العودة الكبرى في غزة، فهذه المسيرة المشرفة يجب أن يلتف حولها الجميع، ويدعمها لتحقيق أهدافنا الوطنية المشروعة، ولنا عودة لاحقاً لطرح عديد من الأسئلة الأخرى الأكثر إحراجاً.