الرئيسية / مقالات وتقارير
أطفال تحت عصا الجلاد
تاريخ النشر: 01/12/2015
أطفال تحت عصا الجلاد
أطفال تحت عصا الجلاد

 بقلم: جنان أبو زيتون

كالبراعم الصغيرة، يشقون الأرض يعانقون النسيم العليل، ويرتعشون من قطرات الماء الناعمة قليلاً، ينتشون الحياة،  ويرتشفون منها كل معاني القبول والاحتواء، وفي عيونهم يبرق الأمل والأحلام الجميلة، هم الأطفال أينما كانوا. لكن في وطني يختلف الحال قليلاً، فأرواح الأطفال أضحت سلعة رخيصة  يتم تداولها على حافة الطريق وبيعها بأرخص الأثمان, وأعمارهم  لا ثمن لها، تزهق بدون رقيب أو محاسب أو معاتب .

 

الطفل الفلسطيني حسب ما ظننت يوما أنه ابن للعرب لكني أيقنت للتو أنه يتيم، رغم ذلك  فإنه طفل ذكي وقادر أن يبر بأمته العربية ويذود عن حياضها...

 

 فأطفال فلسطين ليس كباقي أطفال العالم، فلديهم من الإرادة والعزيمة أكثر من غيرهم، هذا الذي دفع الاحتلال محاولة اغتيال حرياتهم، وحرمانهم من ابسط أسس حياتهم، ففي اليوم الذي يحتفل فيه كل أطفال العالم  بـ "يوم الطفل العالمي"، يبلغ عدد أسرى أطفال فلسطين 400 طفل، وهو في ازدياد حتى اللحظة، كون أرض فلسطين تواجه الأعداء فيما أسموه انتفاضة القدس، فالاحتلال يخالف القانون الدولي بكل بنوده، فمادة 16من اتفاقية الطفل تحدثت عن منع إجراء أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل أو بأسرته أو منزله، لكننا نلاحظ عكس ذلك على أرض الواقع فالاحتلال لم يبقِ طفلاً فلسطينياً لديه إلا ومارس عليه شتى أنواع التعذيب كالشبح،  و الإهانة، والشتم، واللسع بالسجائر، وحتى الدوس على رقابهم الطرية بإقدامه اللعينة، متعدياً بذلك كل الخطوط الدولية الحمراء.

 

 فالقانون يبين لنا عظمة ما يخالفه الاحتلال بحق أطفالنا، فهم يعيشون في حالة رعب، و تحويل حياته  إلى جحيم، وإصابتهم بأمراض نفسية مختلفة، فالاحتلال يزج بالأطفال الفلسطنين في السجون والأقسام التي تعج بالمجرمين اليهود والجنائيين على اختلاف تهمهم، ففي سجن تلموند أو حتى مجدو يُزج ما يقارب 20 طفلاً فلسطينياً مع المجرمين، فيلاقي الأطفال فجأة مجرم منحرف يتجه نحوه بسكين، عدا عن  تلك الأخلاق والسلوكيات القذرة التي من الممكن أن يسربها ذاك المجرم المنحرف في أجواء السجن، الأمر الذي يتسبب في تشويه شخصيات الأطفال ونفسياتهم ويعرضهم للذل و للعذاب النفسي، فالطفل حينها يشعر بأن جميع من حوله سلبيين غير صادقين الأمر الذي يجعل منهم بشراً مفترسون يَضربون رؤوسهم بالحائط، أو القسوة على من هو أمامهم، فهم يريدون تفريغا لا أكثر، وبالتأكيد هنا يظهر الجانب ألا إنساني، ولن تجد الإنسانية داخل عدو محتل أبداً.

 

  ويعاني الأطفال داخل تلك السجون من أوضاع صحية سيئة، فغرف الأسرى تفتقر لأشعة الشمس  تنبعث منها روائح كريهة  وتكثر فيها  الجرذان، والحشرات، والزواحف، والبراغيث.

 

 وأما سقوف الغرف فحدث ولا حرج،  فالماء يتسرب إليها، وتدخل الريح من داخل فتحة كبيرة فيها تلسع أجسادهم، فشتاء السجون والزنازين عالم آخر، فهناك ترى بأم عينيك تقرفص الأطفال جميعهم في زاوية السجن، فلا فرار من الماء، أو بالأصح من العذاب المحتم، وكل ذلك في ظل عدم وجود فراش، فالأرض هي الوسيلة الوحيدة للنوم و من دون أي غطاء، أو ملابس تقيهم شر البرد، وهذا طبيعيٌ جدا كون الاحتلال يرفض إعطائهم مثل تلك الفراش أو الأغطية، و يحرم  أيضاً ذوي الأطفال من رؤية أبنائهم أو إحضار معطف أو قبعة لتدفئة رؤوسهم الصغيرة، فهو يعمل على عزل الأطفال في زنازين انفرادية ويحرم الأهل من الزيارة.

 

 وفي الشتاء أيضاً يمارس الاحتلال أبشع العذابات اللعينة الشتوية،  فيخلع للأطفال ملابسهم، ويرشُ المياه نحو الإذنين والفم والصدر، ويعمل على إجبار الطفل ببلع قطع من الثلج، وتوجيه ماء المرحاض على وجهه، غير وضع الأطفال في براميل ماءٍ باردةٍ جداً وفي داخلها قطع ثلج لمدة نصف ساعة، وبعدها الخضوع لتحقيقٍ من رجل مخابرات مستفز، يسأل أسئلة خبيثة، سخيفة، تجعل الطفل يشك في  نفسه حول تهمةٍ اتهمهُ بها رجل المخابرات ذاك، وهذا كله مع تسليط للمكيف بارداً على الطفل، ونتيجة لكل هذا التعذيب بالتأكيد سيعاني الأطفال من أمراض شتى، ويستمر الاحتلال بعدم اكتراثه أو اهتمامه لربما بكسر في قدمه أو غيابه عن الوعي لشهر كامل، فهو يريد ذاك المرض لينهي حياة كل طفل فلسطيني من الممكن أن يساهم في تحرير وطنه عندما يكبر، فالاحتلال يستغل المرض ليسرق عضواً من جسد ذاك الطفل الصغير، أو ليعذب ويرهقُ نفسيتَه خطوة خطوة، حتى يخلق شخصاً مجنوناً أبله، فهو فَرِحٌ من تعذيب فلسطيني لم يبلغ العشرة أعوام بعد.

 

 ولكي لا يَمَلُ المحتل للحظة واحدة أثناء اجرائاته التعذيبية، بحق طفل لم يتجاوز الرابعة عشرة أو حتى التسع سنوات، يسعى لتوجيه كل شيء ليعمل براحته، ومن دون تدخل أحد فيه، فهو يريد أن يبقى العالم تحت قدميه، فيستند لقوانين ولأوامر عسكرية خاصةٍ به، تشرع اعتقال الأطفال وتجريدهم وتآكلهم من هذه الحياة،  فتسمح أوامرهم باعتقال أي فلسطيني بغض النظر عن عمره دون عرضه على محكمة، ودون السماح له بمقابلة محاميه، ومن الممكن أيضاً تمديد فترة الاعتقال كما يعجب القائد العسكري للاحتلال، فالاحتلال يحدد سن الطفولة كما يريد فيقول بان الطفل هو من يبلغ 16 عاما فأقل وذلك مخالف تماما لمواثيق العالم  أجمع، التي تحدد عمر الطفل من 18 سنة فأقل، فتحديدهم لهذا السن يعتبر تنفيذاً  لأمرهم العسكري رقم132،  الذي يعتبر أن الفلسطيني ابن 16 عشر عاما ً شخصاً ناضجاً قادراً على إجراء عملية تحول حياتهم رعبا، ولشدة خوفه من طفل صغير، يعتقله إذا رآه بين تجمعٍ يضم عشرة أطفال أو أكثر، فهو يعتبره تجمعا سياسيا يمكن أن يدمر دولتهم المزعومة، و حتى من الممكن أن يشاركوا في توزيع مواد ضد الاحتلال، أو رفع علم فلسطين مثلاً.

 

 وهذا مخالفاً تماماً لما هو على أرض الواقع، فقبول طفل لكل أنواع التعذيب هذه يكمن في كونه صغير البنية والعقل، فهو غير واع بخطورة ما يدور حولِه، و لا يمتلك كما كاف من معلومات وثقافة تمكنه من مواجهة محتل مفترس، ومحقق أحمق، فالطفل سحب من أمام باب منزله أو عند عودته من المدرسة، فلم يسمح له بدراسة اختبار يوم غد، و إلقاء قصيدة عن يوم الأرض صباح الأحد، فهو كان ينتظر ذاك اليوم من أول العام، ليظهر أمام زملائه، ولكن الاحتلال سحبه وزجه في سجنه، حرمه التعليم وحظر إدخالِ الكتب المدرسية للزنازين، فالاحتلال يمتنع عن توفير أُطر تعليمية ومدرسية للأطفال الفلسطينيين في السجون، لكنه بالمقابل يوفر التعليم للقاصرين المحتجزين في سجون الخلفيات الجنائية من أبناء دولته المزعومة. والهدف واضحٌ تماماً، فهي تسعى لتحقيق سياسة تجهيل وخلق جيل فلسطيني غبي فاشل، بالرغم من أن تعليم الأطفال  الفلسطينيين في السجون مسؤوليةُ الاحتلال، فعليهم توفير كل الحقوق والخدمات التي كفلها القانون الدولي، فحرمانهم من التعليم ينعكس بالسلب على حياتهم بعد الأسر، لعدم القدرة على التأقلم مع المجتمع المحيط، وإحالة إكمالهم للمسيرة التعليمية، فيبحث الطفل بعد الخروج  عن عمل،  الذي قد يكون شاقا بعض الشيء، ليرضى به، فقط لأنه يريد أن يعيش.

 

 وفي النهايةِ إن ظل هؤلاء الأطفال آخر همومنا، وليسوا إلا خبراً في نشرة أخبار، وتحسراً من جدتي وجدتك وتألمها على مأساتهم،  أو قرارات على ورق، لن نصل لذاك المستوى الذي من الممكن أن يخلق جيل واعياً مثقفاً مدركاً لأبجديات الحياة الأساسية، والذي يكون سبباً  في نصر أمة تنافست على امتلاكها جميع الأمم، ولن ننتظر جيلَ شعوبٍ عربيةٍ لمساندتنا، فَجيلُنا هو الأقدر على إنقاذ وطننا، فلا يشعر بالألم سوى صاحبه J

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار
الأكثر تفاعلاً