كواليس الهدنة المفاجئة
تاريخ النشر: 09/05/2019
كواليس الهدنة المفاجئة
كواليس الهدنة المفاجئة

رغم الوعيد الإسرائيلي وتهديدات ترامب لـ «حماس» وأهل غزة، فوجئ العالم بالإعلان عن وقف إطلاق نار في قطاع غزة بأول أيام شهر رمضان، فما هي كواليس وقف إطلاق النار في غزة، ولماذا استجابت إسرائيل لطلبات حماس بهذه السرعة؟

بعد عدة أيام من القصف الإسرائيلي الذي استهدف قطاع غزة؛ رداً على الصواريخ التي استهدفت الساحل الاسرائيلي، نجحت الجهود القطرية والمصرية والأممية في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، دخل حيز التنفيذ صباح أول أيام شهر رمضان المبارك، بعد استشهاد أكثر من 25 فلسطينييناً وإصابة العشرات.

لكن لماذا بدأ الصِدام؟ وما أسبابه؟ ولماذا وافقت إسرائيل هذه المرة على شروط لـ «حماس»؟ وما الدور المصري والقطري في هذه الأزمة؟ أسئلة نجيب عنها في التقرير التالي، من مصادرها.

كواليس وقف إطلاق النار في غزة

ملف الوساطة الإسرائيلية – الفلسطينية ملف استخباراتي مصري بالدرجة الأولى، ويقع مباشرة على عاتق المخابرات العامة المصرية منذ عهد مبارك.

ومنذ أبريل/نيسان 2019 وهناك اجتماعات شبه دائمة بين قيادات الجهاز المصري برئاسة اللواء عباس كامل، وكلٍّ من إسرائيل و «حماس» على حدة، المستهدَف منها الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق الصواريخ من جانب المقاومة الفلسطينية، في مقابل أن تتوقف إسرائيل عن الخنق الاقتصادي الدائم التي تفرضه على قطاع غزة.

يقول أحد ضباط الاستخبارات المصرية لـ «عربي بوست» (فضَّل عدم ذكر اسمه): «سعت مصر إلى إقناع إسرائيل بالسماح لقطاع غزة باستقبال الأموال الوافدة من قطر، لتحسين البنية التحتية المتهالكة في غزة، فضلاً عن تخفيف قبضتها عن المعابر الحدودية، على أن يتم إرجاء الحديث عن موضوع تبادل الأسرى إلى مرحلة لاحقة.

بدت الأمور تسير بشكل جيد نسبياً، لكن إسرائيل أحرجتنا (والتعبير هنا للضابط المصري)، حين تعنتت في استقبال القسط الشهري من المال القطري (30 مليون دولار)، متعللة بأن التأخُّر لم تكن هي المسؤولة عنه، وإنما السبب هو إنشغال المبعوث القطري بالتباحث مع الجانب الإسرائيلي والذي من دونه لم يكن يمكن السماح بمرور الأموال إلى غزة، وعليه كان علينا انتظار عودته، هكذا سوَّغ لنا الجانب الاسرائيلي سبب التعنت».

الفلسطينيون يقررون قصف إسرائيل، و «الجهاد» تختار توقيتاً حساساً مناسباً لإحراج نتنياهو

هذا السبب لم يقنع بالطبع الجانب الفلسطيني، الذي قرر التحرك للضغط على الإسرائيليين، مستغلاً إقبال إسرائيل على ما يُعرف بـ «أعياد الاستقلال»، فضلاً عن اقتراب موعد إقامة مهرجان الأغنية الأوروبية في الشهر الجاري (مايو/أيار 2019)، بتل أبيب.

وبالفعل أطلقت «الجهاد الإسلامي» حزمة صواريخ أصابت الساحل الإسرائيلي، واضعةً نتنياهو تحت الضغط قبيل الانتخابات، وبدورها ردَّت إسرائيل بقصف القطاع.

أموس بن تزيون، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، يرى أنه «نظرياً، حماس لم تلوث يدها هذه المرة، فالذي بدأ الضرب هو (الجهاد الإسلامي)؛ ومن ثم صفحتها نظرياً بيضاء».

لكنه يقول: «عملياً، الكل يعلم أن (الجهاد) لا يعدو كونه جيباً من جيوب (حماس)، وأن كليهما يتلقى دعماً من إيران مباشرة»، حسب وصفه.

إسرائيل تثأر باغتيال شخصية مهمة لتمويل المقاومة

لذلك كان من الحتمي، من وجهة نظر إسرائيل، قطع الشريان المالي الواصل بين القطاع وطهران، وهو ما تم بالفعل بتصفية حامد الخضري صاحب شركات «الخضري للصرافة»، التي أدخلتها إسرائيل ضمن الهيئات الداعمة للإرهاب، عام 2018.

قَتل الخضري، الأحد 5 مايو/أيار 2019، كان له هدفان -والحديث ما زال للخبير الإسرائيلي- أولاً: إيصال رسالة إلى «حماس» بأنه لا أحد بمنأى عن العقاب. ثانياً وهو الأهم: عرقلة الإمداد المالي الإيراني للقطاع.

من جانبه ألقى الرئيس الأمريكي ترامب بثقله كاملاً خلف نتنياهو مغرداً:

«من جديد تواجه إسرائيل وابلاً من الهجمات الصاروخية الدامية من قِبل إرهابيي جماعتي حماس والجهاد الإسلامي. نؤيد إسرائيل 100% في دفاعها عن مواطنيها»

«إلى مواطني غزة.. تلك الأعمال الإرهابية ضد إسرائيل لن تحقق لكم أي شيء سوى مزيد من الشقاء. أنهوا العنف واعملوا على تحقيق السلام.. فهو يمكن أن يحدث».

الإدارة الأمريكية تطلب من مصر التدخل رغم وعيد ترامب

لكن في الوقت الذي كان ترامب يقف فيه بكل ثقله خلف حليفه نتنياهو، كانت الإدارة الأمريكية ترى أن التهدئة هي الأفضل الآن للجميع.

إحدى موظفات الخارجية الأمريكية تحدثت لـ «عربي بوست»، قائلة: «الصِّدام الآن يحمل في طياته خسارة للجميع، الفلسطينيون أجادوا اختيار توقيتهم هذه المرة، لذا كانت نصيحتنا للقاهرة هي السعي إلى التسوية قبل نهاية الشهر، وإتاحة الفرصة لغاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي (الذي يروج لصفقة القرن)، للعمل في هدوء والوصول إلى اتفاق مُرضٍ للجميع».

وبالفعل تحركت القاهرة صوب التهدئة، وهو ما حدث بالفعل، حيث استجابت إسرائيل لعدة مطالب فلسطينية، أسفرت عن الهدنة التي أعلنها أبو مجاهد البريم، المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية، صباح اليوم الإثنين، أول أيام رمضان.

ماذا تحقق من مطالب الفلسطينيين؟

عضو حركة حماس، محمود الناصر، تحدث لـ «عربي بوست» عن التهدئة، قائلاً: «مطالبنا المشروعة تتمحور في الحرية والعيش الكريم لأهالينا في غزة».

وأضاف الناصر: «نتحدث عن أمور أوليةٍ مثل عدم قطع الدعم المالي القطري، وتوريد الوقود إلى محطة توليد الكهرباء، وإنشاء خزانات للوقود، وتشغيل محطة تحلية مركزية، فضلاً عن عدم خنق المعابر، وهي كلها أمور بسيطة ومشروعة».

ويختتم حديثه قائلاً: «التهدئة لا تعني استسلامنا ولا تنازلنا عن حقوقنا، بالعكس ستظل أصابعنا على الزناد، للدفاع عن شعبنا، ولنكون له درعاً وسيفاً كما سبق أن أعلن السنوار».

ويبدو أن الجانب الفلسطيني نجح هذه المرة في انتزاع بعض من أبسط حقوقه من الجانب الإسرائيلي، عبر حسن اختيار الوقت الذي يوجه فيه ضربته الأولى.

ورغم الصلف المعلن الذي يُبديه ترامب ونتيناهو، فإنه على الأرض تحركت عدة عواصم، بدءاً من واشنطن وانتهاء بالدوحة والقاهرة ومروراً بتل أبيب والرياض، للوصول إلى تسوية، لتهدئة الوضع في القطاع المنكوب ولو إلى حين.

"عربي بوست" 

تم طباعة هذا المقال من موقع راديو بانوراما (panoramafm.ps)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)